قصة أول مظاهرة مليونية

قصة أول مظاهرة مليونية
عبدالرحمن فهمى
لفت نظرى الأخ أحمد المسلمانى فى برنامجه المشهور (الطبعة الأولى) إلى مقال لبنتنا (هند مصطفى) فى الزميلة (الأهرام).. مقال عن أكبر مظاهرة فى التاريخ كانت يوم 14 نوفمبر عام 1951 سار فيها ما يقرب من مليونين من البشر.. ولما كنت أحد المشاركين فى هذه المظاهرة الكبرى أريد أن أصحح المعلومات فأقول أنها لم تكن مظاهرة بل (جنازة صامتة).. فبعد أن الغى مصطفى النحاس معاهدة 36 وطالب الإنجليز بالجلاء.. بدأ الكفاح المسلح ضد القوات الانجليزية فى قناة السويس وهى التى عرفت باسم (حركة الفدائيين).. ورغم نجاح القناصة المصريين كانت الضربة القاصمة حينما ناشدت الحكومة العمال المصريين الذين يعملون فى (الكامب الانجليزى) أن يتركوا العمل وسيتم تعيينهم فى نفس اليوم بنفس الأجر.. جن جنون الانجليز وبدأوا يقتلون أى شخص يقابلونه!!!! وسقط شهداء مصريون كثيرون.. فهدد مصطفى النحاس السفير الانجليزى بأنه اذا لم يكف الجنود الانجليز عن قتل المواطنين الآمنين فى مدن القناة سيزحف الجيش المصرى لإزالة أى (كامب) قريب من الحادث إزالة كاملة بكل من فيه من جنود!!!! وأراد مصطفى النحاس أن يواسى أسر الشهداء.. فقد كان الحزن يخيم على البلد كلها.. فقرر مسيرة جنازة صامتة وقرر أن يسير هو بنفسه ومعه مجلس الوزراء كاملاً فى الجنازة وستبدأ فى الساعة الحادية عشرة صباحا من ميدان الإسماعيلية (التحرير الآن) وتسير فى شارع سليمان باشا (طلعت حرب الآن) ثم شارع قصر النيل حتى مسجد الكخيا لصلاة الغائب على الشهداء. منذ الفجر والناس تتوافد إلى الميدان والشوارع المحيطة؟.. كل الطوائف.. اساتذة الجامعات ومستشارون وضباط كبار وصغار وعدد ضخم من كبار وصغار الموظفين.. أليس مجلس الوزراء نفسه سيسير فى الجنازة.. فضلاً عن الطلبة. وكما صرح مصطفى النحاس فى الصحف بأنها جنازة صامتة لا هتاف ولا ضجيج.. وحينما وصلت سيارات مجلس الوزراء ونزل مصطفى النحاس وسط وزرائه.. رفع النحاس ذراعيه إلى أعلى ينادى (صامتة صامتة صامتة).. صادر الهتاف فى حلوق المليون ونصف المليون من البشر.. وأذكر أن المرحوم أحمد أبوالفتوح كتب مقالاً فى (المصرى) تحت عنوان (حرام عليك).. يقول للنحاس إنه كبت مشاعر أو شعورا فى قلوب وحلوق البشر لو انطلق لكان (بركان فيزوف) أكبر بركان فى تاريخ الكرة الأرضية وهو مزار سياحى مشهور فى إيطاليا.. ثم كانت اللحظة الرائعة حينما وصلت سيارة قبيل التحرك مباشرة ونزل منها على ماهر أقرب المقربين للملك فاروق فتقدم نحوه مصطفى النحاس وتعانقا بالبكاء .. وكاد الناس ينفجرون.. لقد كانوا يريدون الهتاف من أعماق الأعماق بوحدة مصر وراء شهدائها ولكن النحاس كان يرفع ذراعه من آن لآخر داعياً للصمت.. إلى أن وصل المليون ونصف المليون إلى مسجد الكخيا وصعد من صعد ولكن ظل ملايين البشر خارج المسجد فى شوارع ابراهيم باشا (الجمهورية الآن) وقصر النيل وميدان الأوبرا فاصطفوا لكى يصلوا صلاة الغائب.. وكان امام المسجد ينادى بأعلى صوته من خلال الميكروفون قائلاً : (الصلاة امام الامام جائزة.. جائزة.. جائزة.. كانت عبارة (الله أكبر) تنطلق من الملايين تهز المبانى على الجانبين!!!! .. هذا هو التاريخ يا أخ مسلمانى .. زمان كما نقول هذه هى مصر يا عبلة كلمة الرائع محمود ياسين.. الآن نقول هذه هى مصر يا شباب مصر.. ذكريات